الأطفال أيضا يصابون بالاكتئاب

تحدثنا سابقاً عن غياب الأبوين عن حياة أبنائهما والمشاكل الناجمة عن ذلك. ولكن عالم الأطفال مليء بمشاكل أخرى ربما لايدرك الأبوان خطورتها. إذ بعتقد كثير من الناس بأن البالغين فقط يصابون بالاكتئاب، لكن البحوث الخاصة بالأطفال تؤكد بأن الاكتئاب يصيب الأطفال أيضا ومنذ نعومة أظافرهم. وهناك أسباب كثيرة لهذا المرض النفسي الخطير الذي يؤدي الى نتيجتين مرعبتين: إما الانتحار أو العيش كنصف ميت بسبب تحطم المشاعر وفقدان الثقة والأمل بكل ماهو جميل في هذه الحياة. فما هي أسباب الاكتئاب عند الأطفال؟


مشاجرات الأبوين أمام الأطفال

كثير من البالغين مازالوا يحملون بداخلهم خدوشاً من الماضي سببتها المشاجرات الدائمة بين آبائهم وأمهاتهم أمام أعينهم ولايمكن لهذه الخدوش أن تختفي بسهولة، طبقاً لبحث صادر عن منظمة رعاية الأمومة والطفولة البرازيلية في مدينة ساو باولو.

البحث الذي شارك في اعداده مجموعة من أطباء النفس المختصين بسلوك الأطفال أكد بأن من سلبيات مشاجرات الأبوين أمام الأطفال، احساس الطفل بأن الحياة في البيت ليست مستقرة وأن هناك احتمال لانفصال الأبوين عن بعضهما مما يجعل الطفل أسيرا لحياة مجهولة.

فاذا كان الأبوان يعتبران القدوة بالنسبة للأطفال فماذا يمكن أن نتصور أن يحدث للطفل عندما تنهار هذه القدوة؟ قال البحث أن مخيلة الطفل ستتحول دون شك الى ما أسماه بـ "حلبة الملاكمة" فيصبح كل شيء في ذهن الطفل مرتبطاً بالعنف الذي له نتيجتان "غالب أو مغلوب". وبما أن عواطف الطفل مازالت محدودة وتفكيره في قصور فانه يشعر بأنه المغلوب لأنه ليس بحجم الأبوين اللذين يتصارعان. انه لايستطيع أن يكون الحكم، إذ لارأي له في ذلك. فاما أن يظل الطفل واقفا و مشاهدا أو يدخل الى غرفة ويغلق الباب على نفسه أو يسد أذنه لكي لايسمع أي شيء.بماذا يفكر الطفل في هذه المواقف؟

قال البحث أن الطبيعة الانسانية تميل دوما للتعاطف مع الأضعف بدنيا، اذن يبدأ الطفل بتكوين تفكير منحاز، والميل هنا بشكل شبه دائم هو التعاطف مع الأم التي غالبا ماتكون الأضعف بدنيا. هذا الموقف يدخل الطفل الى دائرة الشعور بالذنب لأن الرجل الأقوى هو والده فيشعر بأنه يرتكب خطأ عندما لايحب أباه. تكرار هذه المواقف محير للطفل وهذه الحيرة هي من أهم الأسباب التي تؤدي الى الاكتئاب، حسب رأي البحث البرازيلي.

وأضاف البحث بأن الطفل يعجب أيضا بقوة أبيه عندما تكون مستخدمة لحمايته من الآخرين وليس من أجل استخدامها لضرب الأم أو مواصلة اهانتها. هذا الاعجاب يذوب مع الزمن ليعتقد الطفل بأن استخدام القوة هو مايحل الأمور. ولكن عندما تفشل القوة في حل الخلافات ويصبح تكرارها روتينا مملا ومخيفا في الوقت نفسه بالنسبة للطفل فانه يفقد تماما أي منطق في التفكير. وغياب التفكير المنطقي يعتبر هو الآخر سببا هاما من أسباب الاكتئاب.



فقدان الاحترام

وأضاف البحث بأن المشاجرات الدائمة أمام الطفل تتسبب في فقدان احترام الطفل لأبويه ولنفسه لأنه يظن بأن أحدا منهما لايحترمه طالما أنهما يقولان مالايمكن قوله أمام الأطفال ويفعلون مالايمكن فعله أمام الأطفال. وأكد البحث بأن فقدان الطفل احترامه لأبويه ولنفسه يجعله هشا للغاية أمام الآخرين ولايشعر بأي قيمة لنفسه. وفقدان الاحترام للذات يعتبر، بحسب الدراسة سببا ثالثا هاما للاكتئاب.



اكتئاب الأطفال أخطر بكثير من اكتئاب البالغين

وخلص البحث إلى أن الاكتئاب عند الأطفال أخطر بكثير من الاكتئاب لدى البالغين، ذلك لأنه يضع الطفل في غياهب المجهول. فالطفل المصاب بالاكتئاب سيكون حتماً فاشلاً في الدراسة وفاشلاً في أداء أي شيء يطلب منه لغياب المثل الأعلى الذي يرغب بالاحتذاء به. القدوة الحسنة، على حد قول البحث، تعتبر الدافع وراء الطموح للتعلم والابتكار والابداع في السلوك والحياة. ولذلك فان نسبة الانتحار بين صفوف المراهقين الصغار نتيجة الاكتئاب تعتبر عالية في البرازيل، حيث حدثت في مدينة ساو باولو ثلاثمائة حالة انتحار بين صفوف مراهقين تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشر والخامسة عشر من العمر منذ بداية العام الحالي وكان السبب الرئيسي هو مشاهداتهم لمواقف سيئة جدا بين الأبوين.